تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا جزء من الكتاب، أرسله إلي بالبريد محقق المجلد الأول:

(من المسألة الثانية من كتاب الوضوء

[سؤر البهيميِّ]

وأما البهيميُّ فينقسم إلى ما يصل إلى النتن، وإلى ما لا يصل إليه.

فأما ما لا يصل إلى النتن من جميع البهائم على اختلاف أنواعها فسؤره طاهر، كان الماء قليلا أو كثيرا.

وأما ما يصل منه إلى النتن، فلا يخلو ما شربت منه من أن يكون قليلا أو كثيرا:

فإن كان الماء كثيرا كالحوض وشبهه، فالماء طاهر لا يتنجس بشربها، سواءٌ كان في أفواهها وقت شربها أذى، أم لا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شرابا وطهورا)، ولقول عمر ـ رضي الله عنه ـ: (يا صاحب الحوض لا تخبرنا؛ فإنا نرد [م ـ 1/ 8/أ] على السباع وترد علينا).

وإن كان قليلا مثل آنية الوضوء وما فوقها قليلا شرب منه ما يصل إلى النتن، فلا يخلو من أن يتيقن أن في أفواهها أذىً وقت شربها، أم لا.

فإن تيقن الأذى في أفواهها وقت شربها فإنه لا يتوضأ بذلك الماء.

فإن توضأ به رجل وصلى فهل يعيد، أم لا؟ فالمذهب على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه لا يعيد أصلا، سواء علم به أو لم يعلم، وهو مشهور المذهب.

والثاني: أنه يعيد في الوقت، وظاهره سواء علم أو لم يعلم، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة.

والثالث: التفصيل بين أن يتعمد الوضوء به بعد علمه فيعيد أبدا، أو إنما علم بعد الصلاة، فلا يعيد إلا في الوقت، وهو قول ابن حبيب، وهو ظاهر قول أبي سعيد البراذعي في التهذيب.

وسبب الخلاف: الماء القليل إذا وقعت فيه النجاسة اليسيرة ولم تغيره، هل هو طاهر مطهر، أو طاهر غير مطهر، أو لا طاهر ولا مطهر، وهو شذوذ من القول؟

وأما إن لم ير في أفواهها وقت شربها أذى، فههنا تفصيل وتحصيل:

[سؤر الهرة]

أما الهرة فلا خلاف في المذهب في استعمال سؤرها وطهارته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات)، فخرجت بهذا الدليل من جملة الحيوانات، لعلة الطواف والملازمة، وما فيها من المنفعة للخليقة.

[سؤر الكلب]

وأما الكلب فقد ورد الخبر بغسل الإناء من ولوغه سبعا، عموما من غير تفصيل بين المأذون وغيره، وبين أواني الماء وأواني الطعام، فبينا أن نشمر الذيل إلى التفصيل، ونتشوف إلى التحصيل.

أما أواني الماء فلا خلاف في وجوب غسلها سبعا بحسب ما ورد في الخبر، ولا يغسل بما فيه من الماء؛ لأنه ورد في حديث مسلم: (فليرق الماء)، فهل يبادر إلى غسله في الحال، أو عند إرادة الاستعمال؟ قولان.

وسبب الخلاف: هل غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا تعبد، أو لنجاسة؟ فمن رأى أنه لنجاسة أجاز التأخير، ومن رأى أنه تعبد منع التأخير.

والتعداد لا ينافي أن يكون الغسل لنجاسة؛ لأن القدر الذي يحصل فيه الإنقاء مطلوب لمعنى، والزائد عليه عبادة، كالاستجمار والأقراء؛ لأن الاستبراء يحصل بقَرْء واحد، والباقي من الثلاثة تعبد، وكذلك أحجار الاستجمار، والتحديد بالسبع من هذا القبيل.

وأما أواني الطعام فهل هي كأواني [ق ـ 1/ 5/أ] الماء في لزوم غسل الإناء؟ في المذهب قولان.

وسبب الخلاف: العموم هل يخصص بالعادة، أم لا؟ ـ وهي مسألة اختلف فيها الأصوليون ـ.

فمن قال إن العموم لا يخصص بالعادة، قال إن أواني الطعام مثل أواني الماء؛ للعموم، وهو قوله ـ عليه السلام ـ: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم)، والإضافة دليل التعريف، والتعريف دليل العموم، إلا أن يقوم دليل على أن المراد بالتعريف فيه العهد.

ومن رأى أن العموم يخصص بالعادة، فيقول وجدنا عادة العرب التحفظ بأواني الطعام، ورفعها في محل الصيانة؛ إذ لا تستعمل إلا في وقت مخصوص، بخلاف أواني الماء فإنها تبتذل في كل ساعة، فصارت معرضة لملاقاة الكلاب، وأن تكون مولغة لها، فكان ذلك مقصود الشرع، والله أعلم.

[هل سؤر الكلب طاهر، أم نجس؟]

واختلف في سؤر الكلب، هل هو طاهر، أو نجس؟ على أربعة أقوال:

أحدها: أنه طاهر في الماء والطعام، وهو ظاهر قول ابن وهب وأشهب وابن زياد، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة؛ لقوله: (كأنه يرى الكلب كأنه من أهل البيت، وليس كغيره من السباع)، وأي مزية له على السباع إن قلنا بنجاسة سؤره، ولا سيما وقد وقع في بعض روايات المدونة: (والهر أيسرهما؛ لأنهما مما يتخذه الناس)، والضمير في (هما) يعود على الكلب المذكور قبله، ولا فرق على هذا القول بين الماء والطعام، وتفريق ابن القاسم بين الماء والطعام في المدونة استحسانٌ جارٍ على غير قياس، وإلا لو كان بالعكس لكان أولى؛ لأن الماء يدفع عن نفسه، والطعام لا يدفع عن نفسه، فكان بالطرح أولى، لكن ابن القاسم لاحظ المصلحة واعتبر الحرمة، فقال الماء في غالب الأحوال لا قدر له ولا قيمة، والنفوس مجبولة على التسامح به، وبذله بغير عوض؛ لأنه أذل موجود وأعز مفقود، وبهذا الاعتبار عفا عنه مالك في قاعدة الربا، وجوز التفاضل فيه على مشهور مذهبه، فعلى هذا المنهاج أجرى ابن القاسم جوابه في التفرقة بين الماء والطعام، وأنه ضرب من قياس الشبه.

والقول الثاني: أن سؤره نجس في الماء والطعام، ويطرح الجميع ولا يستعمل، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الإناء من ولوغه عموما.

والثالث: التفصيل بين المأذون في اتخاذه وغير المأذون؛ فسؤر المأذون طاهر وغيره نجس.

والرابع: [م ـ 1/ 8/ب] التفصيل بين البدوي والحضري، فإن كان بدويا فالسؤر طاهر؛ لأن اتخاذه له مباح، وإن كان حضريا فالسؤر نجس؛ لأنه عاص في اتخاذه، وهو قول عبد الملك.

وسبب الخلاف بين من قال بنجاسة سؤره عموما وبطهارته عموما: الأمر بغسل الإناء من ولوغه، هل هو تعبد، أو لنجاسة؟

وسبب الخلاف بين القولين المفصلين وبين من أطلق: اختلافهم في الألف واللام، هل هما للعهد، أو للاستغراق؟

ولكن التفصيل بين البدويِّ والحضريِّ لا وجه له، إلا أن يقال إن البدويَّ به ضرورة إلى اقتنائه).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير