تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا يخفى على جميع الأحباب من طلبة العلم ممن يقفون على هذه الكلمات المجموعة من هنا وهناك من كتب تراجم المالكيين وغيرها؛ أنها لا تغني فتيلا عن وقوف الطالب على تلك النفائس والنظر فيها كتابا كتابا لمن أراد تحصيل المعرفة على وجهها، والحكم الصحيح على ما حوته تلك الكتب من الأحكام الشرعية أو غيرها من المسائل العلمية، و المنهجية المتبعة في تصنيفها ... وعملي هذا - على ما فيه من قصور - لا يعدو أن يكون تعريفا أوليا بها، و دعوة لجموع الطلبة للغوص في تلك الكتب التي تركها الأجداد للوقوف مباشرة على ما فيها ... وتناولها بالدراسات النقدية التحليلة المجردة من أوصار المذهبية، وعدم الاكتفاء بحفظ أسمائها وعناوينها عن النظر في دواخلها ومضامينها نظر تحقيق واعتبار ... وقد سبق أن قلت في طليعة هذه التعليقات:

( ... وأسلك – إن شاء الله - في هذه الحواشي الطريقة التقريرية الوصفية، وليس الدراسة التحليلية النقدية، وكان حقا أن أسلك الطريقة الثانية لما فيها من نفع وفائدة لمن ينظر في هذه التعليقات، وهي الطريقة المثلى لمن يبحث في مثل هذه المجالات، إذ صلاح المصنفات العلمية، وبيان ما يوجد في بعضها من خلل أو مزية، من أعظم طرق إصلاح التعليم، لأن بها يتكون التلميذ، وعليها يتخرج كل الأساتيذ، ولكنها محفوفة المخاطر، ويحتاج صاحبها أن يكون ممن حوى واحتوى ما في تلك الدفاتر، إضافة إلى قوة علمية، وفطرة سليمة قوية، وتلك القوة – كما يقول ابن خلدون – تحصل جزئية في علم إن كانت مكتسبة من قواعد العلم، والدربةِ على العمل به منذ النشأة، وكليةً وهي القوة الحاكمة في الفطرة - سماها المَلكَة العامة - وهي نادرة لأنها تعتمد أولا على قوة فطرية تهيئها الخلقة الأصلية، ثم يخدمها العلم والتحقيق.

والإشارة إلى ضرورة الدراسة النقدية التحليلية للمصنفات العلمية لأجدادنا الأوائل؛ لا تعني تنقصا لهم، ولا تزهيدا في علومهم، كيف وهم من فننوا العلوم، وقعدوا القواعد، وأتوا في الزمن الوجيز بالمطلب العزيز، بسبب إقبالهم على العلوم، وانقطاعهم عن زخارف الدنيا، ونصحهم لمن جاء بعدهم؛ وإنما القصد: الإصلاحُ والاستدراك على إنتاج بشري، غير معصوم من خطأ، ولا مبعد عن وهم، فما ألف الأوائل وصنفوا إلا وبين أعينهم وقوع بعض الهنات منهم، ولذلك كثر تنبيه المنصفين منهم على ضرورة استعمال النظر عند الاستفادة من كتبهم وعلومهم، والتنبيهِ على الاحتراز مما تقصر عنه عبارتهم، وعدم الاكتفاء بمجرد التقليد المحض، " فإنهم غرسوا لنُنمي، وأسسوا لنشيد، وابتدأوا لنزيد" كما قال العلامة ابن عاشور – رحمه الله -.

فليكن هذا على ذُكر من إخواني ... ولا يقفوا عند حد معرفة ظواهر الأمور دون تبين مقاصدها و معرفة دواخلها ... ولا أن يكونوا من جامعي الأوراق دون تبصر بمحتوياتها تبصر الحاذق النحرير .... فمثل هذه التعليقات التي أجمعها أو يجمعها غيري لا تغني عن المعرفة الحقة شيئا ... ولئن وقف أحد من طلبة العلم يتناول كتابا من كتب أجدادنا في علم من العلوم فاحصا وممحصا ... مقارنا ومحللا دهرا من عُمُره، بعد أن يكون قد تحصل على أسباب ذلك = خير له بكثير من هذه الكتابات المستعجلة التي لا تسد رمقا ولا تحي مواتا ... بل هي من الكفاف أو هو أقلّ ...

ولعل البعض يتسآل عن مناسبة هذا الكلام الآن، فأقول: السبب رسالة وصلتني منذ أقل من ساعة من الدكتور موراني يدعوني فيها إلى الكتابة بالطريقة النقدية التحليلية المعتمدة على الوقوف المباشر على تلك المصادر العلمية ... ودون الاكتفاء بما جاء في كتب الطبقات والتراجم ...

و إني بحمد الله لم يكن خافيا علي هذا كله من أول يوم بدأتُ فيه كتابتي المتواضعة جدا هذه ... ومع ذلك فإني مستمر فيها بهذه الطريقة لأني أرى عدم قدرتي على الطريقة الأخرى من الناحية العلمية أولا، ثم لعدم توفر المراجع اللازمة لذلك ثانيا ... ولعل هناك أسبابا أخرى لا وقت لإبدائها الآن ... فطريقتي هذه من باب ما لا يدرك كله لا يترك جلّه ... ويقول المثل عندنا: البص ولا العمى ... وإني لحريص في عملي هذا أن أقدم لإخواني أفضل ما وقفتُ عليه ... وخلاصة ما توصل إليه كثير من الباحثين ... مكتفيا بالاختصار عن التطويل ... وبالإشارة عن التصريح ... وبجمع أكبر قدر من المعلومات مع التهذيب عن سرد ما لا يفيد ... فلعل الله الجليل الحكيم أن يوفق بعض الأحباب ممن يقفون على هذه الخلاصة للتقدم في هذا المجال على الطريقة العلمية الصحيحة الكاملة ... وقد كان شئ من ذلك سابقا ... وسيكون بعده أشياء أخر ... فليس كل الناس مثل أبي عبد الله ... بل أنا أقلهم وأضعفهم.

هل طابت نفسك دكتور موراني الآن ... وعلمتَ أني لا أدعو إلى دراسة العلم بالطريقة التي لا تحبذها ... كما لا أدعو ولن أدعو لمخالفة المنهجية العلمية الحقة؟ ثم أليس في كلامي هذا - وما سبقه مما نقلته لك في طليعة هذه الحواشي - ابراء للذمة من تَبِعة حرص طلبة العلم على تجميع المخطوطات دون تمحيص لها، ونظر علمي رصين في محتوياتها ... وتدقيق منهجي في التعامل معها ... ؟

صباحك سعيد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير