قلت: الورق النقدي: هو نقد مستقل قائم بذاته، يحمل قوة مطلقة للإبراء العام. هذا المتحصل من كلام بعض من كتب في هذا الأمر. فليس هو متفرعا عن الذهب والفضة، ولا هو كالفلوس ... بل هو مرحلة متطورة من المراحل التي مرت بها النقود، والذي يجمع بين كل أنواع النقود في كل مراحلها هو تعارف الناس على جعلها وحدة للحساب ووسيطا للتبادل ...
وقولك: الثاني / كيف جرى الربا في العملات الورقية؟ وكيف انعقد الإجماع على ذلك؟ وإن قيل بالنقدية، قلنا إن هذا على مذهب المالكية، و قد يكون على مذهب الشافعية، و لكن كيف يكون على مذهب الحنفية و الحنابلة مع تعليلهم بالقدر مع اتحاد الجنس؟
قلت: يمكن الرجوع عند الحنابلة والحنفية إلى أدلة أخرى يمكن تخريج الحكم على أساسها من ذلك: الاستحسان: الذي – كما هو معروف – (ترك القياس إلى ما هو أولى منه) أو: (أن بعض الأمارات قد تكون أقوى من القياس فيعدل إليها). فإذا استعصى علينا القياس بسبب الاختلاف في العلة، وترتب على ذلك محاذير شرعية مثل انفتاح باب الربا، وعدم زكاة هذه الثروات، وتوقف العمل بالمضاربة ... لجأنا إلى الاستحسان حتى نحقق مقاصد الشريعة، ونجتنب تلك المحاذير جملة.
وتجد مصداق ذلك في كلام فقهاء الحنفية على مسألة الدراهم والدنانير المغشوشة مثل ما يسمى ب (الغطارفة والعدالي).
وكذلك يمكن الرجوع إلى العرف: حيث وجدنا الفقهاء لم يقصروا النقود على الذهب .. بل تركوا ذلك لما يصطلح عليه الناس، والأوراق النقدية قد جرى العرف على أنها نقد رئيسي، بعد منع تداول الذهب.
وفيما تقدم نقله عن الإمام مالك وشيخ الإسلام – رحمهما الله – ما يشير إلى ذلك.
ونصوص الفقهاء عموما في هذا المعنى مستفيضة متظافرة على اعتبار اصطلاح الناس (العرف) أساس رواج النقود وقبولها.
ويمكننا كذلك الرجوع للمصالح المرسلة لتخريج الحكم الشرعي لهذه الأوراق، فليس في نص الكتاب الكريم ولا في السنة النبوية ما يلزم الناس بالاقتصار على النقود الذهبية .. في تعاملهم.
فحيث وجد الناس المصلحة في اتخاذ أي نوع من النقود وسيطا للتبادل و ... فلهم ذلك، وما يظن أنهم يخالفون حكما شرعيا. وفي ما نقل عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – من محاولته ضرب النقود من جلود الأباعر دليل على عدم اختصاص ضرب النقود من مادة معينة. وانظر كشف القناع للبهوتي 2/ 232.
سد الذرائع: وهذا الدليل من الممكن أن يلجأ إليه من لم يتحرر عنده صواب ما ذهب إليه جمع من الفقهاء في إلحاق الأوراق النقدية بالذهب والفضة بجامع مطلق الثمنية، أو لم يظهر له وجه حجية ما تقدم من الأدلة التي تفيد جريان الربا في هذه الأوراق النقدية.
وقد أشار إلى هذا المعنى أيضا بعض فقهاء الحنفية، حيث جاءت عن بعضهم مثل عبارة: ( ... فمنع حسما لمادة الفساد) و ( .. ومشايخنا لم يفتوا في ذلك إلا بالتحريم احترازا عن فتح باب الربا .. ) قالوا ذلك في النقود المغشوشة.
ثم تأتي بعد ذلك بعض القواعد الفقهية مؤيدات للأدلة المتقدمة، على أن الأوراق النقدية نقد قائم بذاته يجري عليه ما يجري على النقدين (الذهب والفضة) من أحكام.
من ذلك قاعدة: الأمور بمقاصدها، والميسور لا يسقط بالمعسور، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والمشقة تجلب التيسير.
وكيفية الاستئناس بهذه القواعد، وشد أزر الأصول المتقدمة بها لا تخفى عليك.
ـ[أبو عبد الرحمن الشهري]ــــــــ[13 - 12 - 04, 05:28 م]ـ
هناك بحث قيم جدا في أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي
مؤلفه: ستر بن ثواب الجعيد
الطبعة التي عندي لمكتبة الصديق الطائف
1413هـ
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[14 - 12 - 04, 01:36 ص]ـ
كيف أحصل عليها وأنا في مصر أستاذ أبا عبد الرحمن؟
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[14 - 12 - 04, 11:46 م]ـ
الأخ الحارثي .. بارك الله تعالى فيك، قرأت كلامك حرفا حرفا، وهو جيد في تحليله، وأعجبتني جدا فكرة الرجوع إلى لاتعامل بالذهب و الفضة لكونهما سلعة من السلع لا مجرد رمز أو ظل للسلعة، و هل هذا نظر شخصي منكم أم أنها نظرية قال بها أحد من الاقتصاديين المسلمين؟
بارك الله تعالى فيكم
أخوكم المحب / محمد رشيد الحنفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أستاذنا محمد الأمين قلتم بارك الله فيكم: (دع البوطي وشأنه، فإنه لا يجوز -حسب مذهب الإمام أبي حنيفة- الرجوع إليه)
لماذا؟
سؤالي استفساري و ليس استنكاري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ[الحارثي]ــــــــ[16 - 12 - 04, 02:41 م]ـ
أخي محمد هذه حقيقة معروفة في التاريخ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد عهده، وقبل الإسلام وكما قلت فلعل الله تعالى أن ييسر لنا الكتابة في هذا الموضوع إن شاء الله.
وتعليقاً على كلام بعض الإخوة أن الأوراق النقدية الموجودة الآن في كل بلاد المسلمين ليست مغطاة بالذهب كما يتوهم البعض! ولا توجد قيمة حقيقية لهذه الأوراق، ولذلك فإن البحث يجب أن يبدأ في شرعية التعامل بهذه الأوراق قبل البحث في أي موضوع آخر.
¥