تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* الشّرط الرّابع: أن تكون مملوكةً للذّابح، أو مأذوناً له فيها صراحةً أو دلالةً، فإن لم تكن كذلك لم تجزئ التّضحية بها عن الذّابح، لأنّه ليس مالكاً لها ولا نائباً عن مالكها، لأنّه لم يأذن له في ذبحها عنه، والأصل فيما يعمله الإنسان أن يقع للعامل، ولا يقع لغيره إلاّ بإذنه. فلو غصب إنسانٌ شاةً، فضحّى بها عن مالكها - من غير إجازته - لم تقع أضحيّةً عنه، لعدم الإذن منه، ولو ضحّى بها عن نفسه لم تجزئ عنه، لعدم الملك، ثمّ إن أخذها صاحبها مذبوحةً، وضمّنه النّقصان، فكذلك لا تجزئ عن واحدٍ منهما. وإن لم يأخذها صاحبها، وضمّنه قيمتها حيّةً، أجزأت عن الذّابح، لأنّه ملكها بالضّمان من وقت الغصب، فصار ذابحاً لشاةٍ هي ملكه، لكنّه آثمٌ، لأنّ ابتداء فعله وقع محظوراً، فتلزمه التّوبة والاستغفار. وهذا قول أبي حنيفة وصاحبيه وقولٌ للمالكيّة. وقال زفر والشّافعيّة، وهو أحد قولي المالكيّة، وأحد روايتي الحنابلة، لا تجزئ عنه، لأنّ الضّمان لا يوجب الملك عندهم.

* *ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو اشترى إنسانٌ شاةً فأضجعها، وشدّ قوائمها للتّضحية بها، فجاء إنسانٌ آخر فذبحها بغير إذنه صحّت أضحيّةً لمالكها، لوجود الإذن منه دلالةً. وعند الحنابلة إذا عيّن الأضحيّة فذبحها غيره بغير إذنه أجزأت عن صاحبها، ولا ضمان على ذابحها. واشترط المالكيّة لإجزائها وجود الإذن صراحةً أو اعتياده ذلك. ولو اشترى إنسانٌ شاةً ليضحّي بها، فلمّا ذبحها تبيّن ببيّنةٍ أنّها مستحقّةٌ - أي أنّها كانت ملك إنسانٍ غير البائع - فحكمها حكم المغصوبة، وشراؤه إيّاها بمنزلة العدم، صرّح بذلك المالكيّة والحنابلة.

** ولو أودع رجلٌ رجلاً شاةً، فضحّى بها عن نفسه، فاختار صاحبها القيمة فأخذها، فإنّ الشّاة لا تكون أضحيّةً عن الذّابح، بخلاف المغصوبة والمستحقّة عند أبي حنيفة وصاحبيه، ووجه الفرق أنّ سبب وجوب الضّمان في الوديعة هو الذّبح، فلا يعتبر الذّابح مالكاً إلاّ بعد الذّبح، فحين الذّبح لم يذبح ما هو مملوكٌ له، فلم يجزئه أضحيّةً، وسبب وجوب الضّمان في الغصب والاستحقاق هو الأخذ السّابق على الذّبح، والضّمان يوجب الملكيّة كما سبق، فيكون الذّابح في حالتي الغصب والاستحقاق ذابحاً ما هو مملوكٌ له فيجزئ عنه. وما قيل في الوديعة يقال في العاريّة والمستأجرة.

النّوع الثّاني:

شرائط ترجع إلى المضحّي يشترط في المضحّي لصحّة التّضحية ثلاثة شروطٍ:

* الشّرط الأوّل: نيّة التّضحية: لأنّ الذّبح قد يكون للّحم، وقد يكون للقربة، والفعل لا يقع قربةً إلاّ بالنّيّة، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى». والمراد بالأعمال القربات، ثمّ إنّ القربات من الذّبائح أنواعٌ كثيرةٌ، كهدي التّمتّع والقران والإحصار وجزاء الصّيد وكفّارة الحلف وغير ذلك من محظورات الحجّ والعمرة، فلا تتعيّن الأضحيّة من بين هذه القربات إلاّ بنيّة التّضحية، وتكفي النّيّة بالقلب دون التّلفّظ بها كما في الصّلاة، لأنّ النّيّة عمل القلب، والذّكر باللّسان دليلٌ على ما فيه. وقد اتّفق على هذا الشّرط الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة. وصرّح الشّافعيّة باستثناء المعيّنة بالنّذر، كأن قال بلسانه - من غير نيّةٍ بقلبه - للّه عليّ نذر أن أضحّي بهذه الشّاة، فإنّ نذره ينعقد باللّفظ ولو بلا نيّةٍ، ولا تشترط النّيّة عند ذبحها، بخلاف المجعولة، بأن قال بلسانه: جعلت هذه الشّاة أضحيّةً، فإنّ إيجابه ينعقد وإن لم ينو عند النّطق، لكن لا بدّ من النّيّة عند ذبحها إن لم ينو عند النّطق. وقالوا: لو وكّل في الذّبح كفت نيّته ولا حاجة لنيّة الوكيل، بل لا حاجة لعلمه بأنّها أضحيّةٌ. وقالوا أيضاً: يجوز لصاحب الأضحيّة أن يفوّض في نيّة التّضحية مسلماً مميّزاً ينوي عند الذّبح أو التّعيين، بخلاف الكافر وغير المميّز بجنونٍ أو نحوه. وقال الحنابلة: إنّ الأضحيّة المعيّنة لا تجب فيها النّيّة عند الذّبح، لكن لو ذبحها غير مالكها بغير إذنه، ونواها عن نفسه عالماً بأنّها ملك غيره لم تجزئ عنهما، أمّا مع عدم العلم فتجزئ عن المالك ولا أثر لنيّة الفضوليّ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير