رواة الموطأ. كل هذا ناهيك عن الكتب الأخرى التي تحمل في عناوينها مصطلح الطبقات تثبت فساد الحكم الذي أطلقه الحفصي. ويدخل في هذا الإطار مما لم يرد له ذكر فيما عمله الحفصي كتب الأثبات، أو فهارس الشيوخ (38)، التي تكثر لدى أتباع المذهب المالكي كثرة ملحوظة، تحتاج معها إلى دراسة مستقلة.
أول كتب طبقات المالكية هو: كتاب الطبقات فيمن يروي عن مالك وتابعيهم من أهل الأمصار (39)، مؤلف الكتاب هو محدث من الأندلس اسمه عبد الله بن محمد بن أبي دليم (المتوفى سنة 351هـ/962م). ونعلم أن المذهب المالكي كان في زمن المؤلف قد انتشر في مصر، والسودان، والمغرب العربي، وفي إسبانيا، وفي المدينة المنورة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بداية هو هل طبق ابن أبي دليم منهج المحدثين النقدي في اختيار الأجيال التي نشرت المذهب المالكي؟ نرجح أنه اتخذ ذلك معياراً، خصوصاً أنه كان قاضياً في عدد من المدن الأندلسية، وعُرف بعدله ورجاحة عقله.
وعلى الرغم من أن الكتاب الثاني: طبقات المالكية اشتهر بعنوان آخر هو: ترتيب المدارك وتقريب المسالك (40) فإنه معجم في تراجم المالكية، وهو كتاب طبقات. مؤلفه عياض بن موسى اليحصبي (المتوفى سنة 544هـ / 1149م)، وهو يحدد منهجه في المقدمة (ص 1)، إذ يقول: "هذا كتاب في تراجم المالكية، أعيانهم وعلمائهم… وتبيين طبقاتهم، وعصرهم ومناقبهم…". والكتاب في واقع الأمر مقسوم إلى عشر طبقات متتالية زمنياً، فتراتها غير متساوية، ولكن متوسط امتدادها ثلاثة وثلاثون عاماً لكل طبقة.
وهناك كتاب آخر في طبقات المالكية يحمل عنواناً آخر هو: الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب (41)، المنسوب لعلي بن فرحون الأندلسي (المتوفى سنة 799هـ/1396م). ومع هذا الكتاب اختفت جزئياً فكرة الترتيب حسب الأجيال. يحتوي الكتاب على 630 ترجمة لبعض مشاهير فقهاء المالكية، كما يذكر ذلك المؤلف في مقدمته. يأتي في مقدمتهم مالك بن أنس، ثم الأشخاص الذين عاصروه وخالطوه. ثم يتلو ذلك ثلاثة أجيال، وأخيراً بقية الفقهاء مرتبين هجائياً حتى عصر المؤلف. وإذا علمنا ذلك فما قولنا بالتصنيف المختلط الذي اعتمده المؤلف؟ وما مدى الأصالة التي نجدها في كتابه؟
الحق أن ابن فرحون، وعلى الرغم من أنه بدأ بترتيب كتابه حسب الأجيال، لم يلتزم، عن غير وعي، بمفهوم الزمن. وتتمثل ميزة الكتاب على أية حال، في أنه أضاف تراجم جديدة. ولكن كان ينبغي انتظار الشافعي محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (المتوفى سنة 780هـ / 1378م) خلال إقامته في مكة المكرمة لسد بعض الثغرات فيه.
كتاب السخاوي عنوانه: طبقات المالكية (42)، وقد اعتمد في تأليفه على ما يقارب عشرين مصدراً ذكرها في خاتمته، وغالبية هذه المصادر مفقودة اليوم.
ولنشر في آخر المطاف إلى أن ابن فرحون أصبح صاحب مدرسة لدى أجيال المالكية اللاحقة التي وضعت تكملتين لكتابه:
1 ـ ذيل الديباج المذهب، ألفه أحمد بن أحمد ابن عمر التكروري، الذي عاش في بداية القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي (وهذا الكتاب مطبوع في حاشية الديباج).
وهناك ذيل على الديباج بعنوان، نيل الابتهاج بالذيل على الديباج، ألفه الشيخ أحمد بابا التنبكتي نزيل مراكش، المتوفى سنة 1036هـ، ويقول محمد البشير ظافر الأزهري إن الكتاب مطبوع بفاس، وإن المؤلف ذكر فيه من علماء المالكية طائفة وافرة، ولكن الأزهري أراد أن يصنع ذيلاً له فوضع كتابه، طبقات المالكية، المسمى اليواقيت الثمينة في أعيان مذهب عالم المدينة (43).
2 ـ توشيح الديباج، ما زال مخطوطاً، مؤلفه محمد بن يحيى بن عمر القرافي (المتوفى سنة 1008هـ/1600م).
والكتاب الأخير عنوانه: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية (44)، مؤلفه تونسي هو محمد ابن محمد مخلوف، الذي عاش في بداية القرن الرابع عشر الهجري/ الربع الأول من القرن العشرين الميلادي. وكتابه مقسوم إلى قسمين: أولهما وأكبرهما حجماً مخصص للمحدثين عموماً، وخصوصاً للمالكية؛ ونجد في هذا القسم النبي r، والصحابة، والتابعين، ومالك ابن أنس ومعاصريه. ويصل تقسيم الطبقات إلى سبع وعشرين طبقة، مدة كل منها خمسة وأربعون عاماً تقريباً. ولم يهمل المؤلف التوزيع الجغرافي. فهو يترجم بالتتالي لفقهاء الحجاز، والعراق، ومصر، وإفريقيا والأندلس المشهورين.
¥